المشاركات

مشاركة مميزة

فاروق الدسوقي يكتب: رسالة إلى أنغام.. حين يُصبح صوتكِ دواءً

صورة
  في ليالٍ طويلة ، عندما كانت تضيق بي الأرض، ويُطبق الصمت على صدري، كان صوتكِ يناديني: «ونفضل نرقص، نرقص، نرقص لما العالم يفنى ويخلص»، وكأنكِ تذكرينني بأن للحياة وجهًا آخر غير الحزن. كنتِ تأتين في اللحظة الأخيرة، حين ي كاد اليأس أن يُحكم قبضته وينتصر عليّ، تهمسين لي بأمل جديد: «أنا وإنت حالة خاصة جداً، حالة مش موجودة فعلاً، ومفيش في حياتنا أصلاً، يا حبيبي عذاب»، كأنكِ تعديني بأن الغد سيكون أجمل، وأن الألم ليس قدري الأخير. وفي لحظات الانكسار وخيباتي الكبرى، كان صوتكِ يعلو في أذني: «أنا عايزة نفسي، حتى لو كل اللي باقي منها صوت، ما أنا لو هكمل حياتي بيك، من غير ما ييجي الموت، هموت»، كأنكِ تبوحين بما يجول في خاطري، بصوتٍ يمتلك قدرة عجيبة على تهدئة الوجع، وجعل الألم أقل حدّة. الكاتب الصحفي فاروق الدسوقي كم يوما ظننتُ فيها أن الحكايات انطفأت، ونامت على أعتاب الخذلان، وصار  الحبّ زائرًا مؤقتًا، فجاءت كلماتكِ لتوقظ الحلم: «حلمت تشوفني بالطرحة، ولون قلبي على الفستان، بجد هموت من الفرحة، طب احكي كمان، عن الأيام وعن بُكره، وعن كل اللي بحلم بيه، وبيت فوق السحاب نبنيه ونسكن فيه»، لتُعيدي ا...

فاروق الدسوقي يكتب: وحش فرانكنشتاين يعيش بيننا

صورة
قد تندهش عند قراءة عنوان هذا المقال، وتعتبره مبالغة وتهويل، لكن الحقيقة التي أؤمن بها أن الوحش الذي تخيلته الكاتبة الإنجليزية ماري شيلي قبل أكثر من قرنين في روايتها فرانكنشتاين، لم يبق أسير القصة، لأننا نلتقيه في حياتنا بشكل يومي، لا بوجهه المرعب أو جسده المرقع من الجثث، إنما بأجساد ووجوه أخرى أشد خطورة . عندما فتحت العمل الأدبي، لم أقرأ عن حكاية شاب طموح يتلاعب بالعلم ليخلق مسخا من أشلاء الموتى فحسب، لكن وجدت أثرا لطفولة جرحت ولم تشف، وإنسانا حمل في باطنه حزنا قديما ظل ينمو في الخفاء حتى صار شخصا مفترسا . فقبل أن يكون فيكتور فرانكنشتاين، بطل الحدوتة، عالما كبيرا، كان طفلا رحلت أمه، قلب البيت وروحه، فجأة، فانهار شيء عميق داخله، أمرا لم يتمكن العلم ولا الزمن من إصلاحه . ومنذ تلك اللحظة تشكل لديه تساؤل لم يفارقه: لماذا وقف الكافة عاجزين أمام موتها؟ ولماذا لم يستطع والده، الرجل القوي، أن ينقذها؟ حتى تحولت رغبته في المعرفة إلى محاولة للثأر والانتقام من الموت نفسه، والقول للعالم: «أقدر على ما لم يقدر عليه أبي، كان يمكن إنقاذ أمي لو كنت أقوى». كان مشروعه العلمي تجربة يائسة لاستعادة حضن غاب، ...

فاروق الدسوقي يكتب: كل شيء يبدو كأنه حدث من قبل

صورة
يخبرني صديقي دائما إننا نعيش في زمن عشناه من قبل، لا يقول جملته كحكمة، أو ادعاء، إنما كمن يحاول أن يوقظني من نوم لا أعرف متى بدأ. ويضيف بسكون وثقة رجل رأى ما لا يحكى: «جرى فيه ما جرى.. ثم نمنا، وعندما استيقظنا، وجدنا أنفسنا في هذا العالم، إصدار معدل من دنيا نسيناها تماما». أضحك كلما روى ذلك، لكن شيئا في داخلي ينكمش، وكلما حاولت أن أفتح فمي لأعترض، أجد خاطرا يخرسني، كأن عبارة واحدة يمكنها أن تشق شرخا في جدار المنطق، وتسمح لأمر عتيق بالدخول، ك ظلك إن وقف خلفك، لا أمامك،  فالإنسان مهما ادعى الحجة، يعرف في أعماقه أن هناك ما يتجاوز الذكريات،   تلتقطه الروح، ثم يدركه العقل. أحيانا، نعبر شارعا، فنشعر أننا مشينا فيه، نسمع كلمة عابرة، فنهتز كما لو أننا ننصت لجزء ناقص من حديث معاد، نلتقي أشخاصا غرباء، فننجذب إليهم أو ننفر منهم من غير مبرر ظاهر، كأنما الفؤاد  يحتفظ بأرشيف لا يطلع عليه أحد. أفكر في كلامه وأنا أصعد إلى عيادة الطبيب في الطابق التاسع، تلك التي يصر «الأسانسير» أن يتعطل عندها ، حتى بدا لي أنه جزء من سيناريو محفوظ. تتوقف أبوابه بالطريقة و في اللحظة نفسها، فأضطر بعدها للنزو...

فاروق الدسوقي يكتب: آية بين نور دولة التلاوة وظلام الإخوان

صورة
أتعجب - ولا أملّ من العجب - من قدرة البعض على كراهية النور، ليس لأنهم يخافونه، لكن لأن حضوره يعري عتمتهم، فكلما أضاءت مصر زاوية، هرعوا من مخابئهم، كأن الإنجاز صفعة لا يحتملون صوتها. أندهش من أولئك الذين، كلما ارتفع صوت الوطن وامتلأت الوجوه بالسرور، خرجوا من ثقوب الظلام ليطفئوا وهج المناسبة، لا يحتملون أن يحتفل الناس بنجاح، أو أن تلمع «درة الشرق» في لحظة انتصار، كأن الفرح عندهم خطيئة، وأم الدنيا خصم يجب هدمه، وأي ابتسامة على وجه مصري تهديد يزلزل عروش أفكارهم. كل تفوق يتحول في أعينهم إلى مؤامرة، وكل احتفال يُعاد تفسيره على أنه فتنة، وكأنهم في حرب أبدية مع فكرة أن تكون الدولة أهم من الجماعة، وأسمى من المرشد، وأكبر من الشعارات. الليلة لم يكن المشهد أكثر من برنامج تلاوة، قدمته وزارة الأوقاف بالتعاون مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، أصوات شابة تقرأ كلام الله كما يليق بكتاب أنزل هدى ورحمة، مجرد احتفاء خالص، صوت نقي، مقامات رصينة، وتاريخ يعرف كيف يرفع «الفرقان» بلا توظيف ولا ضجيج.   لم تكن الأمسية مجرد مسابقة، إنما كانت استدعاء لمدرسة كاملة لم تُنجب أصواتا بقدر ما أنجبت طريقة في الشعور...

فاروق الدسوقي يكتب: إلى ابني.. وصايا من حكمة يعقوب وعزيمة صلاح

صورة
بعد سنوات طويلة من مراقبة هذا العالم المتقلب، لم أجد ما هو أصدق وأعمق وأقدر على لمس القلب من ذلك الحوار الذي جمع بين رجلين لم يجمعهما العمر ولا الطريق، لكن جمعتهما الحقيقة نفسها: السير مجدي يعقوب والفرعون المصري محمد صلاح. حين فكرت أن أرسل لك درسا واحدا تحمله معك في رحلتك، لم أعثر على أجمل من هذا اللقاء ليكون رسالة أب يعرف أن الكلمات وحدها لا تكفي، لكن الحكايات تفعل. ليس لأنهما مشهوران، ولا لأن الناس تحب صورتيهما، لكن لأنهما كشفا ما يخفونه: كيف يصبح الإنسان نفسه، بلا خداع. تمنحنا الحياة مشاهد صغيرة، لكنها تفتح أبوابا واسعة في الروح، ليست معجزات، لكنها كاليد التي تلمس كتفك في اللحظة التي توشك فيها على السقوط. يا بُني، لا تدع العالم - بكل ضجيجه وأقنعته وادعاءاته - يروض أحلامك، شاهد وأنصت جيدا لهذا الاجتماع، صلاح، بملامحه التي ما زالت تحمل شيئا من طفل نجريج الذي لم يترك الحلم ينطفئ في عينيه، ويعقوب، بوقار الحكيم الذي رأى من القلوب ما يكفي ليدرك أن الإنسان لا يعرف من ملامحه، وإنما بما ينهض به كلما سقط. لم يتكلم أحدهما كرمز، ولا الآخر كأسطورة، كانا مجرد إنسانين يقولان الحقيقة التي يخا...

فاروق الدسوقي يكتب: «كارثة طبيعية».. كيف أعاد سلام وأبو رية اكتشاف نفسيهما؟

صورة
في عرض يعيد تعريف الدراما الاجتماعية، يقدم «كارثة طبيعية» على  منصة  Watch It تجربة إنسانية دقيقة لا تشبه الأعمال التلفزيونية المعتادة، فالعمل ينطلق من لحظة صادمة، همسة قدر، خبر حمل مفاجئ بخمسة توائم، كأن الحياة قررت أن تختبر هشاشة بيت مصري بسيط، وأن تضع على طاولة أسرة صغيرة وزنا يكفي لتصدعها. يقدم الفنان محمد سلام في المسلسل واحدا من أهم وأنقى أدواره، يبتعد عن الكوميديا الخفيفة ليقترب من منطقة إنسانية أكثر عمقا، رجل يحاول أن يبدو ثابتا بينما الأرض تتحرك تحت قدميه. يدخل «سلام» هذه الحكاية لا كممثل، وإنما كرجل يشبه ملايين الرجال الذين يحاولون أن يبدوا أقوياء بينما أصوات ارتطام الأسئلة تتردد في صدورهم. ضحكة مألوفة، لكنها هذه المرة ليست خفة دم، بل قناع هش يختبئ تحته خوف أب يكتشف أن المسؤولية أكبر من حلمه، وأثقل من جيبه. يعتمد أداؤه على الارتباك الصادق عند مواجهة المسؤولية، ارتعاش صوته وهو يخشى أن يكون غير قادر على التحمل، الضحك الذي يخفي القلق، واللغة الجسدية التي تنقل خوفا لا يقال لكنه يرى بسهولة.  كلها تفاصيل تشبه حياة أي أب يكتشف أن الحب أكبر من خوفه، وأن الحياة أوسع من ق...

فاروق الدسوقي يكتب: كيف تنجو مصر كل مرة؟

صورة
بعض العبارات لا تفهم في لحظتها، تحتاج زمنا وامتحانا لتكشف معناها الحقيقي، وربما الآن فقط، بعد ما مرت به مصر في السنوات الأخيرة، بدأ كثير من المصريين يدركون لماذا كان الرئيس عبد الفتاح السيسي يكرر الجملة نفسها في كل مناسبة: «نحن نتعامل بشرف». الكاتب الصحفي فاروق الدسوقي في عالم تتغير فيه المواقف بسرعة، وتدار فيه الصفقات من خلف الأبواب المغلقة، ويصبح المكسب فيه أهم من المبدأ، بدت هذه الجملة غريبة حين قيلت، كأنها لا تنتمي إلى لغة السياسة المعروفة، لم يقلها الرئيس السيسي ليجمل صورة، أو ليصنع خطابا، لكنه قالها لأنه يعرف أن سقوط الدول يبدأ من اللحظة التي تبيع فيها قيمها لتربح معركة قصيرة. قالها بوضوح لا يحتاج إلى شرح: «لازم تكونوا واثقين في الله، وفي أنفسكم، لأننا لا نظلم ولا نفتري ولا نتآمر ولا نخون.. نتعامل بشرف في زمن عز فيه الشرف، فلازم النجاح والنصر يكون حليفنا في كل القضايا». هذه الكلمات لم تكن شعارات، كانت يقينا، وطريقة تفكير، وخريطة طريق لدولة تريد أن تبقى واقفة دون أن تتخلى عن نفسها في الطريق. من اعتاد أن ينتصر بالخديعة لا يفهم كيف يمكن لأحد أن ينتصر بالوضوح، ومن عاش على الفوضى لا ي...

فاروق الدسوقي يكتب: حين تنفس الحجر.. مصر تبني مجدها في المتحف الكبير

صورة
ماذا لو لم تُشرِع مصر يومًا هذا الصرح العظيم؟ وبقيت الصناديق موصدة في ظلمة النسيان، يحرسها الغبار، وتغفو داخلها المنحوتات كأحلامٍ حجرية تنتظر من يوقظها إلى الضوء. تخيل أن الحجارة التي نُحِتت لتتكلم، صارت تبتلع صمتها، وأن الوجوه التي خُلقت لتُبصر، حُكم عليها بالاختفاء الأبدي، وأن مصر لم ترفع الغطاء عن ماضيها، وتركت حضارتها في الظل، كأنها اختارت أن تمضي بلا ذاكرة، وتتوارى عن وجهها الأصدق والأقدم. سيكبر الأطفال وهم لا يعرفون من هي نفرتيتي، ولا لماذا كان خوفو يحدّق في السماء منذ آلاف السنين. سيتحوّل التاريخ إلى أسطورة بلا يقين، والهوية إلى حكاية تُروى بلسان غريب. أتدرك كيف يبدو وطن نسي جذوره؟ وكيف يعيش شعب فقد ملامحه الأولى، تلك التي صاغها الطين والنيل والخلود؟ تكمن عبقريتنا نحن المصريين في أننا اصطففنا إلى جانب الذاكرة الجمعية، وأعدنا فتح الصناديق أخيرًا، فتدفّق الضوء على الوجوه المنحوتة التي انتظرت آلاف السنين، فأفاضت الحجارة أنفاسها الأولى، واستيقظت الملامح القديمة من سباتها الطويل. إن افتتاح المتحف لا يُختزَل في احتفال أثري، بل هو فعل وعيٍ يعلن أننا متمسكون بجذورنا وهويتنا. فذلك البناء...